“حين يتوقّف الزحام احترامًا لرجل”

في زمانٍ تُقاس فيه قيمة اللحظة بسرعة مرورها، وحيث تنطفئ الوجوه على مقود الانتظار، يبقى هناك من يشعل في زحام الحياة ضوءًا من نظام، واسمه: محمود صالح.
هو ليس مجرد مدير عام لمحطة بنزينة موبيل مدينتي.. بل قلب ينبض بين صفوف السيارات، رجل لا تراه في الظل ولا وراء الزجاج، بل تلمحه واقفًا تحت الشمس، يحاكي الزحام بلغة الهدوء، ويعيد ترتيب المشهد بأدوات من إنسانية لا تُشترى.
في عزّ الطوابير، حين تغلي المحركات من طول الانتظار، وحين تكاد الأعصاب تتقطع من شدة التكدّس، يظهر محمود بخطواته الواثقة، لا ليصدر أوامر، بل ليتقدم الصفوف، يُنادي بعينيه قبل صوته، يلمّ شمل فريقه، ويحوّل الفوضى إلى لوحة متناسقة من الجهد والنظام.
كل تفصيلة في حركته تنطق بالإتقان: يوزّع العمال كأنما يوزع الموسيقى في أوركسترا محترفة، يشير بيدٍ، ويطمئن بكلمة، يبتسم لسائق غاضب، ويُربّت على كتف عامل أنهكه العمل.
لا يتعالى، ولا يختبئ خلف لقب “مدير”، بل يهبط من عرشه الوظيفي ليكون شريكًا حقيقيًا في الميدان، يتقدّم الصفوف بنفسه، ويشارك في كل زقزقة وقود، وفي كل همسة تعب. وحين يُطفئ وجهه بشاشته غضب المواقف، يدرك الجميع أن القيادة ليست سلطة.. بل حُب.
إنه رجل لا يحكم بزجر، بل يحكم بقلبه. يجعل من محطة الوقود مكانًا يحتضن الناس، لا يرهقهم. يدخلها الزائر متوترًا، ويغادرها مطمئنًا، ليس لأن سيارته امتلأت فقط، بل لأن هناك من جعله يشعر أنه مُقدّر.
محمود صالح ليس مجرد اسم في بطاقة، بل سيرة تُروى. نموذج من زمن نفتقده، وصوت من ضمير لا يعرف التراخي. في زمنٍ ازدحمت فيه المناصب وقلّت القلوب، يبقى هذا الرجل دليلاً أن الإدارة حين تقترن بالإنسان.. تصير فنًا وفضلًا.